اشترك في: الاثنين 25 أغسطس 2008, 23:04 مشاركات: 206 مكان: قسنطينــــة
|
مرفق:
bismi allah - Salam alaykoum.gif [ 96.72 KiB | شوهد 3596 مرات ]
التوكل على الله فضله و أهميته
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، و صلى الله وسلم على نبينا محمد و على آله و صحبه و التابعين .
أما بعد : فإن للتوكل على الله تعالى منزلة عظيمة في الإسلام ، يلحظها من تأمل النصوص الواردة فيه ، و لم عبد مضطر إليه ، لا يستغني عنه طرفة عين ، كما لأنه من أعظم العبادات من جهة توثق صلته بتوحيد الرب سبحانه و تعالى : « و توكل على الحي الذي لا يموت » [ الفرقان : 58 ] . في هذه الآية أمر من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه و سلم أن يتوكل عليه سبحانه و تعالى ، و ألا يركن إلا ‘ليه ، لأن الحي الذي لا يموت ، وهو القوي القادر سبحانه وتعالى ، و من يتوكل عليه جل وعلا فهو حسبه ، أي كافيه و مؤيده و ناصره ، و من توكل على غير الله ، فإنما يتوكل على من يموت و يفنى ، و الضعف و العجز يعتوره من كل جهة ، و لأجل ذلك فالتوكل عليه يضيع و يزيغ ، و كل من اعتمد على غير الله فقد ضل سعيه . فدل ذلك على فضل التوكل على الله جل و علا و تعليق القلب به سبحانه . و التوكل معناه : صدق اعتماد القلب على الله عز و جل في استجلاب المصالح و دفع المضار ، من أمر الدنيا ة الآخرة كلها ، و أن يكل العبد أموره كلها إلى الله جل و علا ، و أن يحقق إيمانه بأنه لا يعطي و لا يمنع ، و لا يضر و لا ينفع : سواه جل وعلا . و قد حض الله عباده المؤمنين على التوكل في مواضع عديدة من الكتاب و العزيز ، و بين سبحانه ثمراته و فضائله : و من ذلك قوله سبحانه : « و على الله فليتوكلوا إن كنتم مؤمنين» [ المائدة : 23] و قوله عز وجل : « و على الله فلتوكل المؤمنون » [ التوبة : 51 ] و قوله تعالى : « و من يتوكل على الله فهو حسبه »[ الطلاق : 3 ] ، و قوله جل و علا : « فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يجب المتوكلين » [ آل عمران : 159 ] ، وقال سبحانه واصفا عباده المؤمنين في معرض الثناء و المدح : « إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم و إذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا و على ربهم يتوكلون » [ الأنفال : 2 ] . و في السنة المطهرة تكاثرت النصوص الموضحة لأهمية التوكل و الحض عليه ، و من ذلك ما رواه الإمام أحمد و الترمذي و النسائي و ابن ماجة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : « لو أنكم توكلون على الله حق توكله ، لرزقكم كما يرزق الطير ، تغدوا خماصا ، و تعود بطانا » . قال الحافظ بن رجب رحمه الله : هذا الحديث أصل في التوكل ، و أنه من أعظم الأسباب التي يستجلب بها الرزق ، قال الله عز و جل « و من يتق الله يجعل له مخرجا (2) و يرزقه من حيث لا يحتسب و من يتوكل الله فهو حسبه » [ الطلاق : 2 ، 3 ] . ول حديث عمر المذكور على أن الناس إنما يؤتون من قلة تحقيق التوكل ، ووقوفهم على الأسباب الظاهرة بقلوبهم ، و مساكنهم لها ، فلذلك يتبعون أنفسهم في الأسباب ، و يجتهدون فيها غاية الاجتهاد ، و لا يأتيهم إلا ما قدر لهم ، فلو حققوا التوكل على الله بقلوبهم لساق الله إليهم أرزاقهم مه أدنى سبب ، كما يسوق إلى الطير أرزاقها بمجرد الغدو و الرواح ، و هو نوع من الطب و السعي ، لكنه سعي يسير . و هذا ما يشير إليه قوله تعالى صلى الله عليه و سلم : « لرزقكم كما يرزق الطير ...» ، و معناه أنها تذهب أول النهار خماصا ، أي ضامرة البطون من الجوع ، و تتجه إلى غير وجهة محددة ، تطير و تبحث و تسعى، ثم ترجع آخر النهار بطانا ، أي ممتلئة البطون . وصح عن النبي صلى الله عليه و سلم فيما رواه عنه جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه قال : « إن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها ، فاتقوا الله و أجملوا في الطلب ، خذوا ما حل و دعوا ما حرم » [ رواه ابن ماجة و الحاكم و ابن حبان ] . و قال عمر رضي الله عنه : « بين العبد و بين رزقه حجاب ، فإن قنع و رضيت نفسه أتاه رزقه ، و إن اقتحم و هتك الحجاب لم يزد فوق رزقه » . و قال بعض السلف : « توكل تسق إليك الأرزاق بلا يتعب و لا تكلف » . و ها هنا تنبيه إلى أن التوكل الصحيح يستلزم من صاحبه أن يعمل الأسباب كما قال تعالى : « و اتقوا الله و على الله فليتوكل المؤمنون » [ المائدة : 11 ] . فجعل التوكل مع التقوى ، و هي هنا شاكلة للقيام بالأسباب المأمور بها ، فالتوكل بدون القيام بالأسباب المأمور بها عجز محض ، و إن كان مشوبا بنوع من التوكل ، فلا ينبغي لعبد أن يجعل توكله عجزا ، و لا عجزه توكلا ، بل يجعل توكله من جملة الأسباب التي لا يتم المقصود إلا بها . و هذا المعنى يدل المعنى يدل عليه أيضا ما رواه الترمذي و غيره عن أنس رضي الله عنه قال: قال رجل : يا رسول الله ! أعقلها و أتوكل ، أو أطلقها و أتوكل ؟ قال : « اعقلها و توكل » . و قد أخطأ في هذا الباب أقوام ، فعولوا عجزهم على التوكل ، و تذرعوا به ، فضيعوا من الحقوق والواجبات لأنفسهم و عيالهم ، و قد قال النبي صلى الله عليه و سلم : « كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت » [ رواه أبو داوود ] . و لمثل أولئك قال عليه الصلاة و السلام :« المؤمن القوي غير و أحب إلى الله من المؤمن الضعيف ، و في كل خير ، احرص على ما ينفعك ، و استعن بالله و لا تعجز ، فإن أصابك شيء فلا تقولن : لو أني فعلت كان كذا و كذا ، و لكن قل : قدر الله و ما شاء فعل ، فإن لو تفتح عمل الشيطان » . و مما ينبه إليه هنا أن ضعف التوكل لدى الإنسان إنما ينتج عن ضعف الإيمان بالقضاء و القدر، و ذلك لأن من وكل أموره إلى الله ورضي بما يقضيه له و يختاره ، فقد حقق التوكل عليه ، و أمل من وكل أموره لغير الله ، و تعلق قلبه به ، فهو مخول غافل عن ربه جل و علا . روى ابن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال : « من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته ، و من أنزلها بالله أوشك الله له بالغنى ...» الحديث رواه [ أبو داود و غيره ] . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : « و ما رجا أحد مخلوقا و لا توكل عليه إلا خاب ظنه فيه ، فإنه مشرك ، قال تعالى : « و من يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق » [ الحج : 31 ] » . قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله : « التوكل قسمان : أحدهما : التوكل في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله ، كالذين يتوكلون على الأموات و الطواغيت في رجاء مطالبهم ، من نصر أو حفظ أو شفاعة ، فهذا شرك أكبر . و الثانـي : التوكل في الأسباب الظاهرة ، كمن يتوكل على أمير أو سلطان فيما أقدره الله تعالى عليه من رزق أو دفع أذى و نحو ذلك ، فهو نوع من شرك أصغر . و الوكالة الجائزة في توكيل الإنسانِ الإنسانَ في فعل ما يقدر عليه نيابة عنه ، لكن ليس أن يعتمد عليه في حصول ما وكل فيه ، بل يوكل على الله في تسيير أمره الذي يطلبه بنفسه أو نائبه، و ذلك جملة الأسباب التي يجوز فعلها ، و لا يعتمد عليها بل يعتمد على المسبب الذي أوجد السبب و المسبب » . و مما يزيد إيضاح تحقيق التوكل و العمل بالأسباب مع تعليق القلب بالله وحده : ما أخبره به أبو بكر الصديق رضي الله عنه في هجرة النبي صلى الله عليه و سلم للمدينة إذ قال : نظرت إلى أقدام المشركين و نحن في الغار و هم على رءوسنا ، فقلت : يا رسول الله ! لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا ، قال : « ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما » [ متفق عليه ] . و تصديقه قوله تعالى : « إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا » [ التوبة : 40 ] . و من توكل على الله فإنه ينال من فضائله و ثمراته بحسب تحقيقه له ما لا يخطر له على بال ، و لا يحيط به مقال ، فهو أشرح الناس صدرا ، و أطيبهم عيشا ، قال تعالى : « و من يتوكل على الله فهو حسبه » [ الطلاق : 3 ] . و لأهمية هذه المسألة فقد عدها العلماء في أبواب التوحيد و العقائد ، إذ أنها من أجل العبادات و أعظمها ، و لذا عقد لها الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بابا في كتابه « كتاب التوحيد » و دلل عليه و بين أنها من الفرائض و من شروط الإيمان . فالواجب على كل مسلم و مسلمة العناية بها و تعاهد قلبه على ذلك .
وفقنا الله لهداه ، و رزقنا صدق التوكل عليه ، و حسن الإنابة إليه ، و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم .
|
|